حجاج السعودية.. خالدون في ذاكرة «الأمثال الشعبية»
الموسم يتحول إلى دروس وعبر محكية.. واختصاصية تؤكد إيجابية أثرها الاجتماعي
«حج و بيع مسابح» أحد الأمثلة المستخدمة في السعودية و التي تشير الى الجمع بين التجارة و الحج (أ.ف.ب)
الدمام: إيمان الخطاف
بينما اشتهر المصريون برسم جداريات الحج على الأبنية وعُرف الباكستانيون باستقبال حجاجهم بباقات الورود، امتاز السعوديون بتوظيف أيام الحج في صنع الحكم والأمثال الشعبية التي استقوا قصصها من الموسم السنوي وحولوها لدروس وعبر محكية، انطلقت غالبيتها من أرض الحجاز وانتشرت في كافة المدن السعودية، وهو ما يؤكد أن الحج ليس عبادة فقط، بل هو أيضاً ثقافة ساهمت في صناعة بعض تقاليد الشعوب.
وتظهر منافع الحج الاقتصادية والاجتماعية في مجموعة من الأمثال الشعبية الدارجة في السعودية، مثل مقولة «حج وقضاء حاجة» التي ترادف في معناها القول الشهير «ضرب عصفورين بحجر»، ويشتهر هذا المثل في منطقة نجد، بينما تدرج لدى أهل الحجاز مقولة «حج وبيع مسابح» التي تضرب أيضاً للإشارة إلى تحقيق هدفين في وقت أو مكان واحد.
ومن الأمثال السعودية الشهيرة «ليتنا من حجنا سالمين»، وهو مثل يتداول بكثرة في المنطقة الوسطى، ويُقال إن صاحب المثل كان من أحد الحجاج الذين أذنبوا ذنباً كبيراً أثناء تأدية الفريضة وأحس لاحقاً بالندم على ذلك، وعادةً ما يضرب هذا القول بمن يبذل جهوداً كبيرة لإنجاز عمل ما ثم يحبطه، أو عند طلب الخدمة والمشورة من أحد الأشخاص الذين يقدمونها بطريقة سيئة أو عند القيام بزيارة أو رحلة غير سارة ومليئة بالمشقة.
يضاف إلى ذلك، المثل الشعبي الطريف «إذا حجت البقر على قرونها»، وهو مثل يطلق عادةً للدلالة على أمر لا يمكن حدوثه أبداً، فمسألة أن يكون للبقرة قرون ثم تحج عليها قد تضاف للمستحيلات الثلاثة (الغول والعنقاء والخل الوفي)، وهناك أمثال أخرى تحاكي ذات المعنى الذي تفيده هذه المقولة، مثل «إذا شاب الغراب» و«عشم إبليس في الجنة».
ويتداول بعض الحجازيين القول الشعبي «إن عدتك يا مكة مكيني»، وقصة هذا المثل أن رجلاً كسولاً أصر عليه جماعته بأن يذهب معهم لأداء فريضة الحج وعندما ذهب للحج تعب وعاد إلى أهله مريضاً طريح الفراش، فقرر أن تكون هذه الرحلة هي الأخيرة له، وعادةً ما يطلق هذا المثل للدلالة على الأمور التي يقرر الإنسان داخله أنه قد لا يكررها مرة أخرى.
وإشارةً إلى الفضل العظيم لأداء فريضة الحج، درجت في غرب السعودية مقولة «إن فاتك الحج اتمرغ في ترابه»، أي يلحق به أو يصيبه الغبار الذي يتصاعد من حركة المشي في الطريق الى المشاعر المقدسة، وهو مثل يقارب في معناه الحكمة العربية الشهيرة «ما لا يدرك كله لا يترك جله». إلى جانب ذلك، يتداول في الحجاز قول «اللي فينا فينا ولو حجينا وجينا» التي تضرب لوصف الشخص المحبط الذي يكون يائساً من نفسه مهما اجتهد وفعل من أمور عظيمة. في حين درج وصف المكان الواسع بمقولة «يأخذ الحاج والداج»، والداج هو الذي يسعى لكسب رزقه أو القائم بخدمة الحجاج، وهذا القول يطلق للتعبير عن قدرة المكان على احتواء أكبر عدد من الناس..
من جهتها، أوضحت نجوى فرج، اختصاصية اجتماعية في مستشفى قوى الأمن بالرياض، لـ «الشرق الأوسط»، أن الأمثال الشعبية من الممكن اعتبارها المرآة التي تكشف حال المجتمع واهتماماته وصورة مصغرة لقيمه وأخلاقه وثقافته، مؤكدة أن ارتباط الأمثال المباشر بالأهل والمعارف يجعل منها مساحة جيدة للتنفيس وإسقاط العبر.
وأكدت الاختصاصية على أن الحج موسم حافل بالمواقف والقصص التي تحفز الناس على ايجاد وصنع الأمثال المرتبطة به، خاصة لدى أهل الحجاز، موضحة أن ذلك يعتبر نوعاً من التفاعل الاجتماعي الايجابي بين الناس والأيام والأحداث السنوية المهمة، وأشارت إلى أن تكرار الأمثال عبر المجالس ووسائل الإعلام يحول بعضها إلى دروس راسخة يمكن الاستفادة والتعلم منها.
في حين يرى المتخصصون أن الأمثال الشعبية تساهم بشكل غير مباشر في تشكيل أنماط واتجاهات المجتمع مما جعلها محور اهتمام عدد كبير من الباحثين والمهتمين بدراسة أحوال الشعوب، بالإضافة إلى أنها تعكس أسلوب معيشة المجتمع ومعاييره الأخلاقية ومعتقداته الدينية.
جريده الشرق الأوسط