انزع الساعة التي في يدك!
أنيس منصور
اقترحت منذ وقت طويل أن ننزع عقرب الثواني من ساعاتنا لأننا لسنا دقيقين إلى هذه الدرجة.. واقترحت بعد ذلك أن ننزع عقرب الدقائق أيضا.. فنحن لا نعرف إلا الساعات.. بل إننا لا نعرف الساعة الواحدة..
وفى حياتنا العادية نقول مثلا: سوف أنتظرك ساعتين أو ثلاثا.. ونقول: أرجوك أن تمر عليّ في السابعة أو في الثامنة فسوف تجدني في الساعة التاسعة وسوف أنتظرك حتى العاشرة والربع..
والذي يفكر في مثل هذه العبارات وغيرها يجد أن الزمن لا معنى له عندنا.. كأننا لا نشعر به.. فنحن أحفاد هؤلاء الفراعنة الذين لا يحسبون أعمار آثارهم بالسنين ولكن بعشرات القرون..
وقد حدث أن اتفق ثلاثة من الأصدقاء على أن نلتقي.. واخترنا الساعة الواحدة.. أحدنا يمر على صديق في مكتبه.. ثم يأتي إلى حيث نجلس في نصف ساعة على الأقل..
وفى الساعة الواحدة لم يحضر أحد.. وظللنا جالسين حتى الثانية.. ثم نهضنا.. والتقينا في اليوم التالي.. ودار الحديث كالعادة وانصرفنا..
والذي أدهشني أن أحدا منا لم يسأل الصديق لماذا لم يحضر في موعده ولا هو اعتذر..!
ومعنى ذلك أننا اتفقنا على موعد.. ونحن غير جادين في الاتفاق.. وغير مقتنعين بحرصنا على الموعد.. ومن الغريب أننا كل يوم نتفق.. وكل يوم لا أحد يجيء في موعده.. ويبدو أن ضرورة الاتفاق على شيء ما مجرد عادة، وعدم احترام هذا الاتفاق عادة أيضا.. وعدم مناقشة احترام الاتفاق عادة ثالثة..
فلماذا يحمل الناس ساعات في أيديهم؟.. إنها شيء للزينة.. أو إنها مبرر لأن نسخر من أي إنسان يفي بوعده فيجيء في موعده!
ولذلك أعود فأقترح نزع عقرب الساعات أيضا.. أما الساعة نفسها فأقترح أن تبقى في مكانها لأننا اعتدنا أن نراها هناك!